تُعد الضرائب أحد أهم مصادر الدخل القومي لأي دولة، إذ تلعب دورًا حيويًا في تمويل الخدمات العامة مثل التعليم، والصحة، والبنية التحتية، والأمن، وغيرها من المهام الأساسية التي تقع على عاتق الحكومة. ومن بين الضرائب المباشرة التي تطبقها الدولة المصرية تأتي الضريبة على العقارات المبنية كأداة فعالة لتحقيق العدالة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال فرض عبء مالي على الممتلكات العقارية المستغلة، وفقًا لمعايير قانونية عادلة ومتوازنة.
ظهرت الحاجة إلى تحديث منظومة الضرائب العقارية في مصر منذ عقود، نتيجة التقادم التشريعي في القوانين القديمة، وتضخم السوق العقارية، وتزايد الفجوة بين قيمة الإيجارات القديمة والقيم السوقية الجديدة. ولهذا، جاء القانون رقم 196 لسنة 2008 ليكون بمثابة حجر الأساس في تنظيم وتطوير هذا النوع من الضرائب، حيث قدم تعريفًا محددًا للعقارات الخاضعة للضريبة، ونظامًا مبسطًا للتقييم والإعفاء والطعن، مع مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية.
______________________________________________________________________________________________
ما هي الضريبة على العقارات المبنية؟
الضريبة على العقارات المبنية هي ضريبة سنوية تُفرض على العقارات الثابتة داخل مصر، سواء كانت عقارات سكنية، تجارية، إدارية أو صناعية. ويتم تحديد قيمة الضريبة بناءً على القيمة الإيجارية التقديرية للعقار، وليس على قيمته السوقية.
- تبلغ نسبة الضريبة 10% من صافي القيمة الإيجارية السنوية بعد خصم 30% من هذه القيمة للعقارات السكنية، و32% للعقارات غير السكنية، وهي نسبة مخصصة لتغطية تكاليف الصيانة والتشغيل.
______________________________________________________________________________________________
الإطار القانوني والتشريعي للضريبة على العقارات المبنية
1. القانون رقم 196 لسنة 2008
- أصدر المشرّع المصري القانون رقم 196 لسنة 2008 ليحل محل القانون القديم رقم 56 لسنة 1954 المعروف باسم "قانون العوايد"، وبدأ تطبيقه فعليًا اعتبارًا من 1 يوليو 2013 بعد فترة من التأجيلات نظراً للحاجة إلى استكمال عمليات الحصر والتقييم للعقارات.
- نص القانون الجديد على فرض ضريبة سنوية على كافة العقارات المبنية داخل جمهورية مصر العربية، سواء كانت سكنية أو غير سكنية، مأهولة أو غير مأهولة، مؤجرة أو مشغولة من قبل المالك. وراعى القانون عددًا من الضوابط الاجتماعية من خلال وضع حد للإعفاء الضريبي وتحديد نسبة الضريبة ومصاريف الصيانة التي تُخصم من القيمة الإيجارية.
2. التعديلات اللاحقة
- القانون رقم 117 لسنة 2014: عدل بعض أحكام القانون الأصلي، ورفع حد الإعفاء للوحدة السكنية، ومنح مجلس الوزراء صلاحية إعفاء بعض الفئات من الضريبة في حالات اقتصادية أو اجتماعية.
- القانون رقم 4 لسنة 2019: نظم الطعن على التقديرات الضريبية، وفصل بين لجان التقييم والطعن، وسمح للمكلفين بالضريبة باللجوء إلى القضاء الإداري.
______________________________________________________________________________________________
نطاق تطبيق الضريبة
1. العقارات الخاضعة للضريبة
يُطبق القانون على جميع المباني المقامة على الأرض، سواء كانت سكنية أو تجارية أو صناعية أو إدارية، بشرط أن تكون مشغولة أو قابلة للاستغلال. ويشمل ذلك:
- الوحدات السكنية (شقق – فيلات).
- المحلات التجارية.
- العيادات والمكاتب.
- المصانع والمنشآت الصناعية.
- الفنادق والمراكز الترفيهية.
2. العقارات المستثناة
حدد القانون حالات محددة تُعفى من تطبيق الضريبة، منها:
- المباني المملوكة للدولة والمخصصة للنفع العام.
- العقارات تحت الإنشاء.
- العقارات التي تقل صافي قيمتها الإيجارية السنوية عن 24 ألف جنيه.
- المنشآت التعليمية والدينية والخيرية غير الهادفة للربح.
- المباني القديمة المؤجرة وفقًا لقانون الإيجارات القديمة.
______________________________________________________________________________________________
منهجية حساب الضريبة
1. تقدير القيمة الإيجارية
تعتمد مصلحة الضرائب العقارية على لجان فنية لتقدير القيمة الإيجارية السنوية للعقار، بناءً على معايير منها:
- موقع العقار.
- مساحة العقار.
- جودة البناء.
- مدى توافر المرافق والخدمات.
يتم تحديث هذا التقييم كل خمس سنوات لضمان العدالة وتماشي القيمة مع السوق.
2. حساب الضريبة
- للوحدات السكنية: تُخصم 30% كمصاريف صيانة.
- للوحدات غير السكنية: تُخصم 32%.
- يتم فرض الضريبة بنسبة 10% على صافي القيمة المتبقية.
مثال توضيحي:
إذا قُدّرت القيمة الإيجارية لشقة بـ 40,000 جنيه سنويًا:
- خصم 30% = 12,000 جنيه.
- صافي القيمة = 28,000 جنيه.
- الضريبة = 10% × 28,000 = 2,800 جنيه سنويًا.
______________________________________________________________________________________________
الإقرار الضريبي والتزامات المكلفين
يلتزم مالك العقار أو المنتفع به بتقديم إقرار ضريبي يتضمن جميع بيانات العقار خلال أول سنة من تطبيق القانون أو من تاريخ حدوث تغيير في حالته (بيع، تأجير، هدم، إضافة).
عدم تقديم الإقرار يعرض المكلف لغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تتجاوز 2,000 جنيه.
______________________________________________________________________________________________
آليات السداد ومواعيده
- يمكن دفع الضريبة على أقساط نصف سنوية (في يناير ويوليو).
- تُحصّل من خلال مكاتب الضرائب العقارية أو إلكترونيًا عبر البوابة الحكومية.
- تُفرض فوائد وغرامات تأخير في حالة عدم السداد في المواعيد المحددة.
______________________________________________________________________________________________
الطعن على قرارات التقدير
يحق للمكلف أن يتقدم بطعن على التقدير خلال 60 يومًا من إخطاره بالقيمة الضريبية. يُنظر في الطعن أمام لجنة مستقلة، وإذا لم يُقبل الطعن يمكن للمكلف اللجوء إلى القضاء الإداري.
______________________________________________________________________________________________
الأثر الاقتصادي والاجتماعي للقانون
1. من حيث تحقيق العدالة
يسهم القانون في إعادة توزيع الدخل، إذ يدفع أصحاب العقارات مرتفعة القيمة مبالغ أكبر، بينما يُعفى أصحاب الدخل المحدود من الضريبة تمامًا.
2. من حيث تعزيز الإيرادات العامة
تعد الضريبة موردًا ثابتًا ومنظمًا للخزانة العامة، كما تساهم في تمويل المحافظات والمجالس المحلية.
3. من حيث تحفيز السوق العقارية
بعض المحللين يرون أن القانون يشجع على استغلال العقارات غير المستخدمة، خاصة مع فرض الضريبة حتى على العقارات غير المؤجرة، مما يقلل من ظاهرة "الشقق المغلقة".
______________________________________________________________________________________________
التحديات التي تواجه تطبيق القانون
رغم ما يمثله القانون من أهمية، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يواجه عددًا من العقبات، أبرزها:
- نقص الوعي الضريبي لدى المواطنين.
- صعوبة التقدير الدقيق في بعض المناطق الريفية والعشوائية.
- تعدد الملكيات في بعض العقارات، مما يصعّب تحديد المكلف الحقيقي.
- وجود مخالفات بنائية لم تُسجل بعد في أجهزة الدولة.
- عدم التكامل الكامل بين قاعدة بيانات الضرائب العقارية وهيئات التسجيل العقاري
______________________________________________________________________________________________
إن الضريبة على العقارات المبنية تمثل خطوة محورية في بناء اقتصاد أكثر عدالة واستدامة في مصر. فرغم التحديات، إلا أن تطبيق هذا النوع من الضرائب يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والمالية، ويعزز من قدرة الدولة على أداء دورها الخدمي والتنموي. ويتطلب النجاح الكامل لهذه المنظومة تعاونًا مشتركًا بين الدولة والمواطن، وإرادة سياسية مستمرة لتطوير الأدوات التشريعية والإدارية بما يواكب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.